تكملة المصادر
5 ـ المصدر الميمي
تعريفه : اسم جامد مشتق من لفظ الفعل يدل على حدث غير مقترن بزمن مبدوء بميم زائدة تميزه عن المصدر العادي ولا يختلفان في المعنى .
مثل : عرف – معرفة ، ضرب – مضرباً .
ومنه قوله تعالى : { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } 280 البقرة ، المصدر : ميسرة .
وقوله تعالى : { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين } 162 الأنعام ، والمصدران في الآية هما : محياي ومماتي .
صياغته :
1 ـ الفعل الثلاثي :
يصاغ المصدر الميمي من الفعل الثلاثي الصحيح الأول والآخر أو معتل الأول وصحيح الآخر على وزن " مَفْعَل " بفتح الميم والعين .
مثل : ذهب – مذهب ، وقى – موقى .
نقول : سعى محمد لطلب الرزق مسعى حسناً .
ومنه قوله تعالى : { أم تسألهم أجراً فهم من مغرم مثقلون } 46 القلم .
وقوله تعالى : { ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متابا } 71 الفرقان .
ويصاغ من الفعل الثلاثي الصحيح الآخر المعتل الفاء بالواو التي تحذف في المضارع على وزن " مَفعِل " بفتح الميم وكسر العين .
مثل : وعد – مَوعِد ، وجد – مَوجِد .
نقول : وقع الخبر في نفسي مَوقِعاً عظيماً . ومنه قوله تعالى : { قال لن أرسله معكم حتى تأتونِ موثقاً من الله } 66 يوسف .
وقوله تعالى : { بل زعمتم ألن نجعل لكم موعداً } 48 الكهف .
2 ـ الفعل المزيد :
يصاغ المصدر الميمي من الفعل الغير ثلاثي – المزيد – على وزن الفعل المضارع ، مع إبدال حرف المضارعة ميماً مضمومة وفتح ما قبل الآخر .
مثل : استخرج – مُستخرَج ، انعطف – مُنعطَف .
نقول : انعطفت السيارة منعطفاً شديداً .
ومنه قوله تعالى : { رب أدخلني مُدخًل صدق وأخرجني مُخرَج صدق }81 الإسراء .
فـوائـد :
1 ـ قد تزاد على المصدر الميمي تاء مربوطة في آخره ، مثل : ميسرة ، مفسدة ، محبة ، مقالة ، مهابة ، منجاة .
2 ـ شذت بعض المصادر عن القياس فجاءت على وزن مَفعِل بكسر العين والأصل أن تأتي على وزن مَفعَل بفتح العين .
منها : رجع مرجعاً ، يسر ميسراً ، غفر مغفرة ، عرف معرفة ، حاص محيصاً ، زاد مزيداً ، عال معيلاً ، خاض مخيضاً ، بات مبيتاً ، صار مصيراً وغيرها .
6 ـ اسم المصدر .
تعريفـه : لفظ يدل على معنى المصدر ويختلف عنه في عدم اشتماله على جميع أحرف فعله دون عوض عن الحرف الناقص .
مثل : تكلم كلاماً ، والمصدر العادي : تكلُّماً .
توضأ وضوءاً ، والمصدر العادي : توضُّأ .
فمن المثالين السابقين نجد الاختلاف بين المصدر العادي واسم المصدر ، فاسم المصدر من الفعل تكلم كلاماً بينما المصدر العادي تكليماً ، فالاختلاف يتمثل في نقص التاء والتضعيف في اسم المصدر دون أن نعوض عنهما بحروف أخرى .
فائـدة : فإذا سأل سائل عن كلمة " عدة " ونظائرها هل هي مصدر أم اسم مصدر لأنه نقص منها حرف عن أحرف فعلها .
الجواب : أنها مصدر من الفعل وعد وليست اسم مصدر لأن الواو المحذوفة عوض عنها بتاء في آخر المصدر .
7 ـ المصدر الصناعي .
تعريفه : اسم لحقته ياء النسب تليها تاء التأنيث المربوطة للدلالة على معنى المصدر .
مثل : علمية من علم ، إنسانية من إنسان ، همجية من همجم ، حرية من حر .
قال الشاعر : وللحرية الحمراء باء بكل يد مضرجة يدق .
فائـدة : يجب التفريق بين المصادر الصناعية وبين الأسماء المنسوبة التي تلحقها الياء المشددة والثاء ، مثل : الأعمال التجارية ، والحقول الزراعية ، والآبار النفطية ، فهذه صفات منسوب إليها وليست مصادر .
وهذا التفريق يكون بتجرد المصدر الصناعي للدلالة على معنى المصدرية .
كقولنا : إن الهمجية صورة من صور الشعوب المتخلفة .
والديمقراطية أصل من أصول الحكم .
فكلمة الهمجية والديمقراطية مصادر صناعية لدلالة كل منهما على معنى المصدر .
8 ـ المصدر المؤول .
تعريفـه : هو ما يؤول من أن والفعل المضارع أو ما والفعل الماضي أو أنَّ ومعموليها بالمصدر الصريح .
الفرق بين المصدر الصريح والمصدر المؤول :
المصدر الصريح يؤخذ من لفظ الفعل ويذكر في الكلام بلفظه ، أما المصدر المؤول فلا يذكر بلفظه في الكلام .
تركيب المصدر المؤول :
1 ـ أن والفعل المضارع : مثل : أن يقول ، أن يعمل ، أن يساعد .
نحو : ينبغي أن تقول الحق . والتقدير : قول الحق .
يجب أن تفعل الخير . والتقدير : فعل الخير .
ومنه قوله تعالى : { يريد الله أن يخفف عنكم } 28 النساء .
والتقدير : التخفيف عنكم .
وقوله تعالى : { تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا } 10 إبراهيم .
التقدير : صدّنا .
2 ـ ما والفعل الماضي : مثل : ما قلت ، ما أرسلت ، ما فعلت .
نحو : سرني ما قلت الصدق . والتقدير : قولك .
فاجأني ما أرسل أخي الرسالة . والتقدير : إرسال أخي .
ومنه قوله تعالى : { وأحسن كما أحسن الله إليك } 78 القصص .
والتقدير: كإحسان الله .
3 ـ أنَّ ومعموليها : مثل : علمت أنك مسافراً غداً . والتقدير : سفرك .
ومنه قوله تعالى : { فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه } 114 التوبة .
التقدير : عداوته لله .
فائـدة : إذا كان خبر أن فعلاً أو مشتقاً أُوّل المصدر الصريح من الخبر مضافاً إلى الاسم .
مثل : يكفي أن محمداً مجتهد . التقدير : اجتهاد محمد .
سرني أن أخاك تفوق في المسابقة . التقدير : تفوق أخيك .
أما إذا كان الخبر اسماً جامداً أُوّل المصدر من الكون مضافاً إلى الاسم ، وجاء خبر أنَّ خبراً للكون – مصدر كان – .
مثل : أيقنت أن الأرض كروية . التقدير : كون الأرض كروية .
موقع المصدر المؤول من الإعراب :
يأخذ المصدر المؤول إعراب المصدر الصريح الذي يحل محله ، فيقع في المواقع الإعرابية الآتية :
1 ـ في محل رفع مبتدأ :
نحو : وأن تتفوق في دراستك مفخرة لوالديك . التقدير : مفخرة .
ومنه قوله تعالى : { وأن تصوموا خير لكم } 184 البقرة .
التقدير : صيامكم خير لكم .
وقوله تعالى : { وأن يستعففن خير لهن } 60 النور . التقدير : استعفافهن خير لهن .
2 ـ في محل رفع خبر :
نحو : اعتقادي أن التجارة رابحة . التقدير : اعتقادي ربح التجارة .
ونحو قوله تعالى : { قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن } 25 يوسف .
التقدير : السجن ، خبر المبتدأ جزاء .
3 ـ في محل رفع اسم كان :
نحو : ما كان لك أن تهمل الواجب . التقدير : ما كان لك إهمال .
كقوله تعالى : { ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين } 114 البقرة .
التقدير : ما كان لهم دخولها .
4 ـ في محل رفع اسم ليس :
نحو : ليست الرياضة أن تضيع وقتك في اللعب . التقدير : إضاعة .
كقوله تعالى : { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب } 177 البقرة .
التقدير : تولية .
5 ـ في محل رفع فاعل :
نحو : يكفي أنك مهذب . التقدير : يكفي تهذيبك .
يجب أن تحسن إلى والديك . التقدير : إحسانك .
ومنه قوله تعالى : { فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه } 114 التوبة .
التقدير : كونه عدواً لله .
6 ـ في محل رفع نائب فاعل :
نحو : عرف أن الشاي مشروب منبه . التقدير : عرف شرب الشاي منبه .
ومنه قوله تعالى : { يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى } 66 طه .
التقدير : يخيل سعيها .
7 ـ في محل نصب مفعول به :
نحو : آمل أن تحضر مبكراً . التقدير آمل حضورك .
ومثال مجيء المصدر من أن ومعموليها مفعولاً به قوله تعالى : { ويريد الله أن يحق الحق بكلماته } 7 الأنفال . التقدير : ويريد الله إحقاق الحق .
8 ـ في محل جر بالحرف أو بالإضافة :
نحو : أخاف عليك من أن تهمل دروسك . التقدير : من إهمالك .
ومنه قوله تعالى : { قل إن الله قادر على أن ينزل آية } 37 الأنعام .
التقدير : على إنزال آية .
مثال جره بالإضافة : خرجت قبل أن تحضر . التقدير : قبل حضورك .
ومنه قوله تعالى : { ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه } 143 آل عمران .
التقدير : من قبل لقائه .
عمل المصدر .
يعمل المصدر عمل فعله فيرفع فاعلاً إن كان لازم ، ويرفع فاعلاً وينصب مفعولاً به إن كان من فعل متعدٍ .
مثال المصدر الذي يرفع فاعلاً فقط : سرني صدقُ محمدٍ .
نحو : يعجبني اجتهاد أحمد .
المصدر : صدق واجتهاد وكلاهما مشتق من فعل لازم يأخذ فاعلاً ولا يتعدى إلى مفعول به . الأول : صَدَقَ ، والثاني : اجتهد ، ثم أضيف كل من المصدرين إلى فاعله الأول محمد والثاني أحمد ، محمد وأحمد كل منهما مجرور لفظاً لأنه مضاف إليه ، مرفوع محلاً لأنه فاعل ، ومنه قوله تعالى : { فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر } 42 القمر.
ومثال المصدر الذي يرفع فاعلاً وينصب مفعولاً به : قولك الخير صدقة .
المصدر : قَوْل مشتق من الفعل قال المتعدي لأنه يأخذ فاعلاً ومفعولاً به ، ثم أضيف المصدر إلى فاعله وهو الكاف ، ونصب المفعول به وهو " الخبر " ، والمصدر مبتدأ وصدقة خبره .
ومنه قوله تعالى : { وأكلهم أموال الناس بالباطل } 161 النساء .
ومثاله نصبه لمفعولين قولنا : تعليمك الطفل القرآن منفعة له .
ونحو : إطعامك الفقير كسرة خبز صدقة .
المصدر : تعليم وإطعام ، ومفعولي المصدر الأول الطفل والقرآن ، ومفعولي المصدر الثاني : الفقير وكسرة .
شروط عمل المصدر :
يشترط في المصدر لكي يعمل عمل فعله الشروط التالية :
1 ـ صحة حلول فعله محله مسبوقاً بأن المصدرية مع الزمن الماضي أو المستقبل .
نحو : عجبت من محادثتك علياً أمسِ . التقدير : عجبت من أن حادثته أمس .
ويدهشني إرسالك الرسالة غداً . التقدير : يدهشني أن ترسل الرسالة غداً .
أو مسبوقاً بما المصدرية والزمن يدل على حال .
نحو : يسرني عملك الواجب الآن . التقدير : ما تعمله .
2 ـ أن يكون نائباً مناب الفعل .
نحو : احتراماً أخاك . فأخاك منصوب باحترام لنيابته مناب " احترام " وهو فعل أمر من أحترم الذي أخذ منه المصدر ، كما أن المصدر مشتمل على ضمير مستتر فيه يعرب فاعلاً تماماً كما هو الحال في فعله الأمر ، وفيه يجوز تقديم المصدر على معموله أو تأخيره عنه .
3 ـ ومن الشروط التي يجب توافرها في عمل المصدر أيضاً ألا يكون مصغراً فلا يجوز أن نقول : آلمني ضريبك الطفل الآن .
4 ـ وألا يكون مضمراً فلا يجوز أن نقول : احترامي لمحمد واجب وهو لأخيه غير واجب .
5 ـ وألا يكون محدوداً بتاء الوحدة ، فلا يجوز أن نقول : سرتني سفرتك الرياض .
6 ـ وألا يكون موصوفاً قبل العمل ، فلا يجوز أن نقول : نقاشك الحادُ أخاك .
7 ـ وألا يكون مفصولاً عن معموله بأجنبي ، فلا يجوز أن نقول : أراضي لقاؤك مرتين محمداً .
8 ـ وألا يتأخر المصدر عن معموله ، فلا يجوز أن نقول : أدهشني علياً مقاطعة خالد
ويغتفر أن يكون المعمول المتقدم على مصدره ظرفاً أو جاراً ومجروراً .
نحو : أبهجني مساءً حضورُ سعيد .
وأعجبني في المنزل تواجد أخيك .
9 ـ وألا يكون محذوفاً أو غير مفرد – مثنى أو جمع – ولا ما لم يرد به الحدث . ففي مثل : العلم مفيد . العلم مصدر ولكن لا يراد به الحدث لذلك فهو غير عامل .
فوائـد :
1 ـ يعمل المصدر عمل الفعل لا لشبهة به ، بل لأنه أصله ، وهذا مذهب البصريين ، لأنهم يقولون المصدر أصل الفعل ، غير أن الكوفيين يقول بأصل الفعل والمصدر فرع منه .
2 ـ يختلف المصدر عن الفعل بأنه يجوز حذف فاعل المصدر ولا يجوز حذف فاعل الفعل . نحو : تكريم الفائزين يشجعهم على مواصلة الفوز .
فالمصدر : تكريم مضاف إلى مفعوله " الفائزين " والفاعل محذوف جوازاً ، أي تكريمكم أو تكريم المعلمين .
3 ـ قد يعمل المصدر وإن لم يصلح للاستغناء عنه " بأن والفعل " أو " ما والفعل " .
ومن ذلك قول بعض العرب : " سَمْعُ أذني أخاك يقول ذلك " .
فسمع مبتدأ وهو مصدر مضاف إلى فاعله وهو " أذني " وأخاك مفعوله ، وجملة يقول في محل نصب حال سدت مسد الخبر ، والتقدير : سمع أذني حاصل إذ كان يقول ، على حد ضربي العبد مسيئاً ، ويمتنع التأويل بالفعل مع " أن " أو " ما " في هذا ، لأنه لم يعرف مبتدأ خبره حال سدت مسد الخبر .
حالات عمل المصدر :
للمصدر العامل ثلاث حالات :
أ – أن يكون مضافاً .
ب – أن يكون معرفاً .
جـ – أن يكون مجرداً من أل والإضافة .
أولاً : المصدر العامل المضاف وهو أكثر حالات المصدر عملاً وله خمسة أحوال :
1 ـ أن يضاف إلى فاعله ثم يأتي مفعوله ، نحو قوله تعالى : { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض } 251 البقرة .
2 ـ أن يضاف إلى مفعوله ثم يأتي فاعله ، وهو قليل ، ومنه قوله تعالى : { ولله على الناس حجُ البيتِ من استطاع إليه سبيلاً } 97 آل عمران .
ونحو : معاقبة المهملِ المعلمُ .
3 ـ أن يضاف إلى الفاعل ثم لا يذكر المفعول به ، نحو قوله تعالى : { وما كان استغفار إبراهيم } 114 التوبة . والتقدير : استغفار إبراهيم ربه .
4 ـ أن يضاف إلى المفعول ولا يذكر الفاعل ، نحو قوله تعالى : { لا يسأم الإنسان من دعاء الخير } 49 فصلت . والتقدير : من دعائه الخير .
5 ـ أن يضاف إلى الظرف ، فيرفع وينصب كالمنون . نحو : أعجبني التقاء يوم الخميس اللاعبون مدربيهم .
فاللاعبون فاعل للمصدر التقاء ، ومدربيهم مفعول به له .
ثانياً : المصدر العامل المعرف بأل : وهو أقل حالات المصدر عملاً ، وأضعفها في القياس لبعده من مشبهة الفعل بدخول أل عليه .
نحو : عجبت من الضرب محمداً .
ثالثاً : المصدر المنون وهو المجرد من أل والإضافة : وعمله أقيس من إعمال المحلي بأل . نحو قوله تعالى : { أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً } 14 – 15 البلد .
تابع معمول المصدر :
المضاف إلى المصدر العامل إما أن يكون فاعلاً في الأصل فمحله الرفع ، أو يكون مفعولاً به فمحله النصب . لذلك إذا اتبعت المعمول بوصف جاز فيه الجر مراعاة للفظ المتبوع والرفع مراعاة للمحل إذا كان المعمول فاعلاً ، والنصب إذا كان مفعولاً به .
نحو : سررت من احترام سعيدٍ المجتهدِ معلّمَه .
فيجوز في إعراب كلمة " المجتهد " الجر على اللفظ صفة لسعيد المجرورة بالإضافة إلى المصدر ، ويجوز فيها الرفع على المحل صفة لسعيد المرفوعة في الأصل لأنها فاعل للمصدر .
ونحو : يعجبني مكافأة التلميذِ المهذب أستاذُه .
فيجوز في إعراب كلمة " المهذب " الجر على اللفظ صفة للتلميذ المجرورة بالإضافة إلى المصدر .
كما يجوز فيها النصب على المحل صفة للتلميذ المنصوبة في الأصل لأنها مفعول به للمصدر .
فائـدة :
1 ـ القائل باتباع معمول المصدر على المحل هم الكوفيون وجماعة من البصريين ، أما سيبويه وبقية البصريين فقالوا بعد جوازه . واكتفوا بالاتباع علىاللفظ ، وفي رأيي هذا هو الأنسب ولا حاجة إلى التذحلق في الإعراب ما دام الإعراب الظاهر يؤدي الغرض المطلوب ويفي به .
2 ـ جاء مصدر فعّل على فِعَّال مثل كذب كذاب ، وقد ذكرنا ذلك في موضعه ، وقد جاء مصدره أيضاً على تفعال نحو : طوّف تطواف ، وكرر تكرار ، ونظائرهما وهي سماعية لا يقاس عليها .
3 ـ قد يجيء مصدر أفعل على وزن فَعَال ، نحو : أنبت نبات ، وأثنى ثناء .
ومنه قوله تعالى : { والله أنبتكم من الأرض نباتاً } 17 نوح .
4 ـ قد يرد المصدر علىوزن اسمي الفاعل والمفعول نحو : العافية والعاقبة ، والميسور والمعقول .
وقد يأتي بمعنى اسمي الفاعل والمفعول نحو : عدل بمعنى عادل ، وغور بمعنى غائر ، وخلق بمعنى مخلوق .
تقول : هذا خلق الله ما أبدعه . أي مخلوقه .
5 ـ يعمل اسم المصدر والمصدر الميمي عمل المصدر في جميع أحواله وبشروطه السابقة . مثال عمل اسم المصدر : أنت كثير العطاء الناس .
ومنه قول الشاعر :
أكفراً بعد رد الموت عني وبعدعطائك المئةَ الرِّتاعا
ومثال عمل المصدر الميمي : أعجبني مسعى أخيك للصلح بين المتخاصمين .
6 ـ لا يعمل المصدر المؤكد للفعل عمل الفعل ، فلا يصح أن نقول : عاقبتُ معاقبةَ مهملَ الواجب . باعتبار المفعول به " مهمل " معمول للمصدر معاقبة ، بل هو مفعول به للفعل عاقب .
كما أن المصدر المبين للعدد لا يعمل عمل الفعل ، فلا يصح أن نقول : كافأت مكافأتين الفائز . " فالفائز " مفعول به للفعل لا للمصدر .
ولكن يجوز في المصدر المبين للنوع أن يعمل عمل الفعل .
نحو : كتبت الرسالة كتابة المحبين رسائلهم .
" فرسائل " مفعول به للمصدر كتابة مع أنه مبين لنوع الفعل بإضافته للمحبين .
7 ـ اشترط في عمل المصدر أن يكون مفرداً ولا يصح أن يعمل مثنى أو مجموعاً ، والصحيح جواز عمله بصيغة الجمع كما في قول الشاعر :
قد جربوه فما زادت تجارتهم أبا قدامة إلا المجد والنفعا
فالمصدر " تجارب " جمع للمصدر " تجربة " وقد نصب المفعول به " أبا " غير أن هذا شاذ وما ورد في البيتين خاص بالشعر ولا يقاس عليه .
8 ـ لا يجوز تقدم معمول المصدر عليه ، فلا يصح أن نقول : ليس لي به علم .
على اعتبار أن الجار والمجرور " به " متعلق بالمصدر " علم " والصحيح : ليس لي علم به .
9 ـ مصدر المرة " اسم المرة " .
تعريفـه : هو مصدر مصوغ من الفعل للدلالة على حصول الحدث مرة واحدة .
مثل : دار دورة ، أكل أكلة ، شرب شربة ، ضرب ضربة .
شروط صياغته :
يشترط في صوغ اسم المرة ثلاثة شروط هي :
أ – أن يكون فعله تاماً ، فلا يصاغ من كان الناقصة وأخواتها .
ب – ألا يكون قلبياً ، فلا يصاغ من ظن وأخواتها .
جـ – ألا يدل على صفة ثابتة ، فلا يصاغ من كاد وعسى ، ولا فهم وعلم ، ولا حسن وخبث .
صياغتـه :
1 ـ يصاغ من الفعل الثلاثي على وزن " فَعْلة " بفتح الفاء وتسكين العين .
مثل : جلس جلسة ، وقف وقفة ، هفى هفوة ، كبى كبوة ، نبى نبوة .
قالوا : لكل عالم هفوة ، ولكل جواد كبوة ، ولكل صارم نبوة .
فإن كان بناء المصدر العادي على " فَعْلة " مثل : رحم رحمة ، دعا دعوة . فإن اسم المرة منه ما يكون بوصفه بكلمة واحدة للدلالة على المرة .
نحو : دعوت أصدقائي دعوة واحدة .
وأصاب اللاعب المرمى إصابة واحدة .
وصحت في القادمين صيحة واحدة .
2 ـ ويصاغ من غير الثلاثي على صورة المصدر الأصلي مع زيادة تاء في آخره .
مثل : انطلق انطلاقة ، استعمل استعمالة ، سبح تسبيحة .
تقول : انطلقت السيارة انطلاقة .
واستعملت الفرشاة استعمالة .
وسبحت الله تسبيحة .
فإن كان المصدر الصريح " العادي " مختوماً بتاء دُلَّ على اسم المرة منه بوصفه بكلمة واحدة . مثل : أصاب إصابة واحدة ، استقام استقامة واحدة .
تقول : استشرت الطبيب استشارة واحدة .
فائـدة : إذا كان للفعل المزيد أكثر من مصدر صيغ بناء مصدر اسم المرة على الأشهر من مصدريه .
فنقول : وسوس الشيطان في نفسه وسوسة واحدة ، ولا نقول وسواساً واحداً .
وخاصمت الرجل مخاصمة واحدة . ولا نقول خصاماً واحداً .
10 ـ مصدر الهيئة " اسم الهيئة " .
تعريفـه : هو مصدر مصوغ من الفعل للدلالة على الصفة التي يكون عليها الحدث عند وقوعه . مثل : جلس جِلسة ، مشي مِشية ، أكل إكلة .
شـروط صياغته : لا يصاغ إلا من الفعل الثلاثي وشذ صوغه من المزيد .
وتكون صياغته على وزن " فِعْلة " بكسر الفاء وتسكين العين .
نحو : جلست جلسة الأمير .
وأكلت إكلة الشرة .
ووثب الفارس وثبة الأسد .
ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إذا قتلتم فأحسنوا القتلة " .
فـائـدة :
1 ـ إذا كان المصدر القياسي " العادي " للفعل الثلاثي على وزن " فِعْلة " فإنه يُدل على الهيئة منه بالوصف أو بالإضافة .
نحو : أغمى على المريض إغماءة شديدة .
التفت الرجل إلى صديقه التفاتة الخائف .
2 ـ من أسماء الهيئة التي وردت شذوذاً من غير الثلاثي ولا يقاس عليها .
نِقبة من الفعل انتقب نحو : انتقبت المرأة نِقبة .
خِمرة من الفعل اختمر نحو : اختمرت المرأة خِمرة .
عِمّة من الفعل اعتم وتعمم نحو : لبس الرجل عِمة .
11 ـ همزتا القطع والوصل .
أولاً : همزة القطع :
هي الهمزة التي تقع في أول الكلمة ، وتظهر في النطق سواء أكانت في أول الكلام أم في وصله . وترسم على شكل رأس عين صغير " ء " على الألف ، فإن كانت مفتوحة رسمت فوق الألف مثل : أخي ، أعطى .
تقول : أبي أعطى أخي جائزة .
وإن كانت مكسورة رسمت تحت الألف مثل : إنّ ، إحسان ، إبراهيم .
ونحو قوله تعالى : { وإذ قال إبراهيم ربِّ أرني كيف تحيى الموتى } 260 البقرة .
مواضع همزة القطع :
تأتي همزة القطع في المواضع التالية :
1 ـ في ماضي الفعل الرباعي وأمره ومصدره .
مثل : أكرم – إكرام – أكرمْ ، أحسن – إحسان – أحسنْ .
أكرمت صديقي ، وأحسنت إلى الفقراء .
أكرم أصدقائك إكراماً حسناً .
2 ـ في أول كل فعل مضارع . مثل : أكتب ، أجلس ، ألعب .
نحو : أجتهد في دروسي ، وأعمل واجبي أولاً بأول .
3 ـ في أول بعض الحروف . مثل : إنّ ، أنّ ، أن ، إن ، إلى ، أيا ، أما ، إلا .
ويستثنى من ذلك " أل " لأن همزتها همزة وصل عند اتصالها بالاسم .
4 ـ في أول بعض الظروف وأسماء الشرط والاستفهام والضمائر .
مثل : أين ، أيّ ، أيان ، إذا ، أنت ، إياك ، أنا ، أنتم .
5 ـ في صيغتي التعجب والتفضيل .
مثل : ما أكرم محمد ، والوضوء أفضل من التيمم .
6 ـ في أول الأسماء ما لم تكن مصادر لأفعال خماسية أو سداسية .
مثل : أحمد ، إبراهيم ، إسماعيل ، أسعد ، إمام .
ويستثنى من ذلك بعض الأسماء المسموعة عن العرب وقد جاءت همزتها همزة وصل
وهي : ابن ، ابنه ، اسم ، امرؤ ، امرأة ، اثنان ، اثنتان ، ايم الله .
فائـدة : تعد همزة الأفعال الثلاثي همزة قطع وإن كانت أصلية .
مثل : أخذ ، أكل ، أمن ، أسف .
ثانياً : همزة الوصل :
هي كل همزة تظهر في النطق ولا تكتب إذا جاءت في أول الكلام ، ولا تظهر خطاً ولا تنطق لفظاً إذا جاءت في وسطه . مثل : استعمل ، انكسر ، استعان .
نقول : استعنت بالله واستعملت الدواء للاستطباب .
ومن قال بكتابة همزة الوصل فإنه يعنى برسمها ألفاً ليس غير أو ألفاً فوقها رأس صاد صغيرة ، هكذا " ا " .
ومنها في قوله تعالى : { واقصد في مشيك واغضض من صوتك } 19 لقمان .
وقوله تعالى : { فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول } 64 النساء .
مواضع همزة الوصل :
تأتي همزة الوصل في المواضع التالية :
1 ـ في أول الفعل الخماسي الماضي وأمره ومصدره .
مثل : انطلق – انطلقْ – انطلاق .
انكسر – انكسرْ – انكسار .
اتقى – اتق – اتقاء .
ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " اتق الله حيثما كنت " .
وقوله تعالى : { الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون } 2 المطففين .
2 ـ في أول الفعل الماضي السداسي وأمره ومصدره .
مثل : استخرج – استخرجْ – استخراج .
استسهل – استسهل – استسهال .
ومنه قوله تعالى : { فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم } 7 التوبة .
3 ـ في أول فعل الأمر الثلاثي . مثل : اذكر ، انصح ، اعمل ، اجلس .
ومنه قوله تعالى : { وابد ربك حتى يأتيك اليقين } 99 الحجر .
وقوله تعالى : { اقرأ وربك الأكرم } 3 العلق .
وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير } 177 الحج .
4 ـ في " أل " التعريف . مثل : الكتاب ، الرجل ، الشجرة .
ومنه قوله تعالى : { إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى } 42 الأنفال .
وقد شذت همزة " أل " في كلمة " ألبتة " إذ اعتبرها النحاة همزة قطع ، وكذا تصبح همزة الوصل في لفظ الجلالة " الله " همزة قطع إذا سبقت بحرف النداء " يا " .
فنقول : يا ألله كن في عوننا .
5 ـ في بعض الأسماء المسموعة عن العرب وهي :
ابن ، ابنة ، امرؤ ، امرأة ، اسم ، اثنان ، اثنتان ، ايم الله ، ايمن الله .
نحو : وايم الله لأساعدن الفقراء .
حركة همزة الوصل :
1 ـ تفتح مع أل التعريف نحو قوله تعالى : { الحاقة . ما الحاقة } .
وقوله تعالى : { القارعة . ما القارعة . وما أدراك ما القارعة } .
2 ـ تضم في موضعين :
أ – مع أمر الفعل الثلاثي المضموم العين في المضارع .
مثل : خرج – يخرُج – اخرج ، نصر – ينصُر – انصر .
ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً " .
ومنه قوله تعالى : { اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك } 110 المائدة .
ب – مع ماضي الخماسي والسداسي المبني للمجهول .
مثل : امتنع ، اعتدي ، انطلق ، استنفر ، استعين .
ومنه قوله تعالى : { ولقد استهزئ برسل من قبلك } 10 الأنعام .
وقوله تعالى : { إذ تبرأ الذين اتُّبعوا من الذين اتبعوا } 166 البقرة .
3 ـ وتكسر في غير ما سبق .
تم يعون الله تعالى الجزء السادس من الموسوعة وبه قد اكتملت ، ونأمل أن يكون فيها الفائدة المرجوة ، ولا نستغني عن ملاحظات القراء وآرائهم ، ونرجو موافاتنا بها أولا بأول على عنواننا المدون في الموقع ، فالكمال لله وحده ، وما قمنا به هو جهد فردي استغرق مني السنوات الطوال ، جعله الله في ميزان حسناتنا ، والله الموفق .
كما سنذكر الإخوة القراء بأننا سنكمل نماذج الإعراب متى أعاننا الله على ذلك .