الأصمعي والأعرابي

يقول الأصمعي:
خرجت أنا وأصحابي يوما في رحلة إلى الصحراء فقعدنا نأكل جملا كنا قد شويناه فأبصرن اعرابيا قادما نحونا فقلت لاصحابي جاء هذا لياكل فلا تتكلموا ودعوا الكلام لي فقعد يأكل بدون استأذان ونكن نعرفه فقلت له:
كأنك أكلة في أرضي هشي ***** أتاها وابل من بعد رشي
فقال لي:
كأنك بعرة في ذيل كبشي ***** مدلاة وذاك الكبش يمشي
فقلت: كيف أنت والشعر؟
قال: أنا أمه وأبوه.
يقول الأصمعي: فغطست في بحور الشعر فلم أجد أصعب من بحر السريع وقافية الواو.
فقلت له:
قوم بنجد قد عهدناهم ***** سقاهم الله من النو
قلت له: أتدري ما النو ؟
قال:
نو تلالا في دجا ليلة ***** حالكة مظلمة لو
قلت: لو ماذا؟
قال:
لو سار فيها فارس لنثنى **** على بساط الأرض منطو
قلت: منطو ماذا؟
قال:
منطوي الكشح هضم الحشا **** كالباز ينقض من الجو
قلت: جو ماذا؟
قال:
جو السما والريح تعلو به ***** اشتم ريح الأرض فاعلو
قلت: فاعلو ماذا ؟
قال:
فاعلو لما عيل من صبره **** فصار نجوى القوم ينعو
قلت: ينعو ماذا ؟
قال:
ينعو رجالا للفناء شرعت **** كفيت ما لاقو ويلقو
قلت: يلقو ماذا؟
قال:
إن كنت لم تفهم ما قلته **** فأنت عندي رجل بو
قلت: البو ماذا؟
قال:
البو سلخ حشي جلده **** يا ألف قرنان يقوم أو
قلت: أو ماذا ؟
قال:
أو اضرب الرأس بصوانة **** تقول في ضربه قو
يقول الأصمعي فخشيت أن أقول له قو ماذا فيضبني ويكمل البيت.
فقلت له: أنت ضيفي الليلة يا أعرابي.
قال: لا يأبى الكرامة إلا لئيم.
وفي المساء قلت لزوجتي اطبخي لنا دجاجة ، قلت قسم يا أعرابي قال الرأس لرأس وأعطاني الرأس والعجز للعجوز واعطى زوجتي العجز والبنتان جناحان فلهما الجنحان والولدان لهما الفخذان وأكل الباقي ونحن ننظر.
وفي الصباح قلت لزوجتي اطبخي لنا خمس دجاجات.
قلت قسم يا أعرابي قال اتريد بالشفع ام بالوتر قلت إن الله وتر يحب الوتر قال أنت وزوجتك ودجاجة وابناك ودجاجة وبنتاك ودجاجة وأن ودجاجتين قلت له والله ما أرضى بهاذا قال كأنك تريد بالشفع قلت له نعم قال أنت وابناك ودجاجة وزوجتك وبنتاها ودجاجة وأنا وثلاث دجاجات وأكل ونحن ننظر فقلت له غلبتني مرتين مرة في الشعر ومرة في الدجاج.