بسم الله الرحمن الرحيم
ثماني ساعات فقط هي التي سيقضيها الرئيس الأميركي باراك أوباما في زيارته الأولى إلى القاهرة في الرابع من حزيران (يونيو) المقبل، والتي يلقي فيها خطابه المرتقب إلى العالم الإسلامي، ومع ذلك فقد شحذت السلطات المصرية طاقاتها لتجميل وتجديد الطلاء في جامعة القاهرة وهي المكان المرشح ليلقي من خلاله أوباما كلمته المرتقبة، وبدا ذلك واضحًا من حالة النشاط الحثيثة التي دبت في أروقة الجامعة، حيث يقوم عشرات العمال بتنظيف قبتها النحاسية، كما تحول مبنى إدارة الجامعة لخلية نحل، وفرضت أجهزة الأمن رقابة مشددة على الدخول أو الخروج، ومنعت الصحافيين من دخول مبنى الإدارة إضافة إلى "قاعة الخرطوم"، والتي سبق أن أعلنت إدارة جامعة القاهرة أنها ستكون مقر المركز الإعلامي المعتمد لزيارة الرئيس الأميركي إلى القاهرة.
وحول السجال السياسي المحتدم عبر وسائل الإعلام المحلية في مصر، والذي يتركز حول أسماء النشطاء المعارضين والحقوقيين الذين يمكن أن يجتمع بهم أوباما خلال زيارته لمصر، فقد نفى د. مصطفى الفقي، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب (البرلمان) أنباء عن تدخل الحكومة المصرية في طبيعة اللقاءات التي سيعقدها الرئيس الأميركي خلال زيارته مع ممثلي قوى المعارضة، موضحا أن الدولة ملتزمة بالقواعد الدبلوماسية للزيارة في إطار الأعراف والتقاليد الدبلوماسية المرعية في هذا السياق.
وتعيد زيارة أوباما إلى القاهرة أجواء الزيارة الأولى للرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون لمصر، في الثالث عشر من حزيران (يونيو) عام 1974 والتي اعتبرها السادات الذي كان خارجا لتوه من حرب تشرين الأول (أكتوبر) عام 1973، بداية لعصر جديد من الصداقة، بعد سنوات طويلة من القطيعة.
وقالت مصادر دبلوماسية مصرية إنه من المقرر أن يصل أوباما إلى القاهرة في العاشرة من صباح الرابع من حزيران (يونيو) المقبل، قادماً من السعودية حيث يتوجه إلى قصر عابدين حيث تجري وقائع حفل الاستقبال الرسمي، ليلتقي بعد ذلك الرئيس المصري حسني مبارك، ومن ثم يتوجه إلى جامعة القاهرة ليلقي خطابه الذي يستمر نحو ساعة تقريباً. أما مركز الدراسات الإستراتيجية الخاصة بالشرق الأوسط التابع لجامعة هارفارد، فقد وصف اختيار أوباما لإلقاء خطابه من مصر بأن أن مصر شريك مهم للولايات المتحدة، حتى لو كانت هناك قطاعات من الشعب المصري تعارض السياسة الأميركية، وأن مصر دولة مركزية تتمتع بسلطة قوية وكيان سياسي متماسك، غير أن المركز طالب أوباما بالتطرق إلى الخلافات حول مسار الديموقراطية وقضايا حقوق الإنسان، لاسيما بعد أن تعرضت إدارة أوباما لانتقادات اتهمتها بالاهتمام بالاستقرار على حساب الدعوة لنشر الديمقراطية وتشجيع حلفائها على احترام حقوق الإنسان.
أوباما وصراع الحضارات:
ويعول مراقبون في القاهرة وواشنطن على أن تشكل زيارة أوباما لمصر بداية لمرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين، يعبر فيها الجانبان مرحلة من التوتر والأزمات خلال إدارة الرئيس السابق جورج بوش، وفي هذا السياق قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" إن قرار أوباما بالحديث إلى العالم الإسلامي من القاهرة يبرز ما يواجه الرئيس الأميركي من تحدٍ، إذ أن حديثه للمسلمين لن يدور فقط حول الدين والثقافة بل سيتطرق دون شك إلى الانقسام السياسي في المنطقة وهو من الأمور التي تتعامل معها مصر، وأن يكون الهدف بصراحة إقناع العالم العربي بأن سياسات إيران وحلفائها ليس هو الخيار الأفضل.
وخطت مصر خطوة على هذا الطريق عندما أعلنت في وقت سابق عن زيارة للرئيس مبارك كان مقررا لها أن تتم هذا الأسبوع، قبل أن يتم تأجيلها لظروف خاصة بعد وفاة حفيده، واستبدالها بزيارة لوزيري الخارجية والتجارة ومدير المخابرات عمر سليمان، حيث بدأ بالفعل ثلاثتهم زيارة إلى واشنطن، لإجراء سلسلة اجتماعات مع نظرائهم الأميركيين، وتوقيع إعلان مشترك عن أساليب العمل الجديدة التي يتم من خلالها زيادة التجارة والاستثمار بين البلدين.
وفي تصريح أدلى به للتلفزيون الحكومي المصري أكد وزير الخارجية احمد أبو الغيط أن الرئيس أوباما لم يطرح حتى الآن تفاصيل مبادرته لعملية السلام في الشرق الأوسط، وقال إنه سينقل رسالة مكتوبة من مبارك إلى أوباما، وأضاف أن الوفد التقى مسؤولين من بينهم وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون.
من جانبه أكد مصطفى الفقي، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب (البرلمان) أن زيارة الرئيس الأميركي إلى مصر تستهدف إعادة أواصر الحوار بين العالمين الغربي والشرقي، والرد بشكل عملي على نظرية "صراع الحضارات"، وأشار الفقي إلى أن اختيار مصر لمخاطبة العالم الإسلامي تمثل تعزيزا لقيمة الدولة وبرهانا على دورها الإقليمي.
وحول الجدل بشأن إخضاع الوفد المرافق لأوباما لإجراءات الحجر الصحي، أشار الفقي إلى أن قوانين الحجر بالمطارات والموانئ المصرية تطبق على كل الشخصيات مثلما تطبق على الدبلوماسيين والساسة المصريين في الدول الأجنبية، غير أنه استدرك معتبراً أن مطالبة البعض بتوقيع الكشف الطبي بشأن أنفلونزا الخنازير على الرئيس الأميركي شخصياً تمثل مزايدات تفتقر إلى الكياسة الدبلوماسية .
واختتم الفقي تصريحاته قائلاً: "إن تلك الزيارة تهدف لمخاطبة العالم الإسلامي ككل وليس خطابا ثنائيا بين دولتين"، مشيراً إلى أن تلك الزيارة تمثل فرصة لمناقشة وتهدئة الأجواء المحتقنة بين الغرب والعالم الإسلامي، الذي دعاه الفقي أيضاً إلى الاعتراف بالأزمات التي بات يواجهها الآن، كما أوضح أن زيادة تلك المشكلات في أفغانستان وفلسطين والعراق والصومال والسودان تقتضي ضرورة إعادة النظر في سياسة علاجها"، على حد تعبيره.