سؤال يتبادر إلى ذهن كل مواطن عراقي : هل كان حال العراق أفضل حالا في عهد صدام عما هو عليه الآن؟
و يبرز بجانب هذا السؤال شعور بالتناقض عند الاستماع إلى تصريحات الرئيس الأمريكي جورج بوش الذي يؤكد أن عراق الآن أفضل من عراق صدام ، فالحقيقة أن العراق الذي مرت عليه ثلاث سنوات تحت نير احتلال كان من المفترض أن يقوده إلى الديمقراطية أصبح على حافة الانهيار
الشيعة و السنة و خلاف خطير
يعد العراق واحدا من دول الشرق الأوسط التي تتميز بالتعددية المذهبية و العقائدية ، الأمر الذى يجعله يقف الآن على شفا حرب أهليه ستكون ذات تأثير خطير على المنطقة التي تتعايش فيها منذ قديم الزمان طوائف و مذاهب و ديانات مختلفة
فعلى سبيل المثال يعاني السنة و الشيعة فى العراق من خلافات عميقة من الممكن ان تودي بالعراق إلى الهاوية
ولاريب أن هناك العديد من الأسباب التى أوصلت الأمور لحد الصدام منها تدخل دول الجوار و اختلاط أهداف فرق المقاومة العراقية التي اتفقت في البداية على تحرير العراق ثم ما لبثت أن تشعبت وانقسمت تلك الأهداف و دخلت فيها فئات متناقضة المبادئ حتى انتقلت لقتل المواطن العراقي الذي تسعى لتحريره واختلط الارهاب بالمقاومة ووجدت الأيادى العابثة فى العراق مجالا لعملها و حقلا لنشاطها بهدف اقصاء العراق من دوره الحيوي فى المعادلة السياسية بالمنطقة
و من المؤكد ان اختلاف السنة و الشيعة حول طبيعة وكيفية المقاومة كان سببا في خلق خلافات عنيفة فجرها أبو مصعب الزرقاوى زعيم تنظيم القاعدة بالعراق الذي أعلن عدم استهداف السنة باعتبارهم مقاومين للاحتلال مما فجر غضب الشيعة تجاه السنة
و يساهم في إشعال الموقف مأزق تشكيل الحكومة العراقية فالأغلبية الشيعية الفائزة في الانتخابات تضغط من اجل الظفر بحكومة أغلبيتها شيعيه بعد عقود من احتكار السنة للمناصب فى عهد صدام
و يسعى الشيعة إلى تمكين إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء الشيعي من تشكيل أول حكومة بفترة ولاية كاملة بعد انهيار نظام صدام أما السنة و باقي الطوائف العراقية فتسعى للتوصل لحكومة ائتلافيه بديلة تتمتع بقدر من التوازن بين الشيعة و السنة و باقي الفئات و هذا ما يفجر الخلافات بين الطرفين
و جاء الاعتداء الذي استهدف مرقد الإمام على الهادى والحسن العسكري كإشارة واضحة على هشاشة العلاقة بين السنة و الشيعة فرغم دعوات من أئمة الشيعة الى الهدوء إلا أن اعتداءات متواصلة طالت السنة و مساجدهم في المدن العراقية ، فضلا عن الاتهامات التي وجهها السنة للشرطة العراقية و عدد من المليشيات الشيعية باختطاف و تصفية السنة فى المدن العراقية
و بالطبع فمشهد الشيعة و هم خارجون في تظاهرات احتجاج على الاعتداء على المراقد الشيعية و قد حملوا فى مظاهراتهم مدافع الكلاشينكوف و الار بى جى كلها تؤكد على حجم السلاح الذي وقع في يد العراقيين فمخازن السلاح التي أعدها صدام لحرب طويلة الأمد مع أمريكا وقعت في يد العديد من المليشيات فضلا عن أفراد الشعب العادي مما ينذر بنزاع مسلح بين افراد الشعب يستحيل تحجيمها اذا ما اشتعلت
العراق نظرة من الداخل
لم يشهد الوضع العراقي من الداخل تحسنا واضحا رغم دعاوى اعادة الاعمار فالخدمات الأساسية في العراق من كهرباء ومياه وصرف قد انهار أغلبها أو تعطل مع انتشار كامل للفساد في كافة المصالح و الوزارات العراقية ناهيك عن قضية الأمن الداخلي التي لم تحسم بعد
فعلى الرغم من التأكيدات الأمريكية بأن القوات العراقية الجديدة ستتمكن من السيطرة على 75 % من الأراضي العراقية نهاية العام وأن هناك 200 ألف جندي عراقي تم إعدادهم في الجيش الجديد إلا أن تقارير مخالفة تؤكد عدم قدرة قوات الأمن العراقية على إحكام سيطرتها على العراق و أن كفاءة هذه القوات محل شك ، فضلا عن أن الشرطة العراقية انسحبت من مواقعها في العديد من مناطق المواجهة إلى جانب سيطرة الشيعة على زمام الأمر داخل الجيش الجديد مما يدفع بالنزاع الى ناحية طائفيه مقلقة
و الدليل على ذلك هو أن القوات الأمريكية مازالت تقود الحملات الأمنية التي تشنها على المدن العراقية و التي تقول أنها بقيادة قوات عراقية أمريكية مشتركة مازال الثقل فيها يعتمد على القوات الأمريكية و أن مشاركة القوات العراقية مشاركة رمزية
و يؤكد على ذلك قول بول هيوز المسئول العسكري الأمريكي السابق الذي كان يشغل منصبًا رفيع المستوى الذى يقول الحقيقة التي نراها هي أنه وحتى الآن لا يمكن للقوات العراقية أن تعمل بمفردها وأنها في حاجة إلى وجود القوات الأمريكية معها ولم نصل إلى مرحلة أن تستغني القوات العراقية بنفسها وتؤدي المطلوب منها ، فضلا عن أن الهجمات المستمرة التي تتعرض لها القوات الأمريكية و الشرطة العراقية و تكبد كلا الطرفين خسائر يوميه ضخمة مما أدى إلى إغلاق مطار بغداد خوفا من هجمات محتمله يدل على أن الشعب العراقي لن يعرف معنى كلمة الأمن في يوم من الأيام .
بوش و رفض الحقيقة
بدا حديث الرئيس الأمريكي جورج بوش مكررا وذلك اثناء تعليقه على الذكرى الثالثة للغزو الأنجلو - أمريكي على العراق ، فالرئيس الأمريكي لا يزال يؤكد ان كل ما تحتاج إليه العراق هو الوقت و ان الولايات المتحدة انتصرت و لن تتراجع فى حرب العراق و الحقيقة ان بوش لديه دوافعه لهذا رغم واقع مرير تعيشه أمريكا في العراق يوميا
وتعتمد سياسة الولايات المتحدة في المنطقة إلى حد كبير على النجاح في حرب العراق و التى لن يتردد بوش في التضحية من اجلها باي شيء بغية لتحقيق أهدافه .
فالبترول العراقي له أهيمة استراتيجية واضحة بالنسبة للاقتصاد الأمريكي الذى يعتمد يوميا على ملايين البراميل من النفط لتغذية قواعده الصناعية الهائلة و بالتالي فلابد ان تبقى الولايات المتحدة حقول البترول الشرق اوسطيه ( السعودية – العراق – الكويت ) و التى تضم ما يقرب من نصف الاحتياطى العالمى تحت سيطرتها و رقابتها المباشرة .
هذا فضلا عن ان البقاء الأمريكى فى الشرق الأوسط يعد ضرورة استراتيجيه للولايات المتحدة و إسرائيل فى مواجهة محور ( سوريا – ايران – حزب الله ) فالتهديدات بالتدخل العسكري ضد إيران اقرب للتصديق مع وجود قوات أمريكية على مرمى البصر من الحدود الإيرانية في العراق كذلك اى تهديد اسرائيلى بضرب المفاعلات النووية الايرانيه سوف يعتمد على تغطية عسكرية أمريكية كثيفة قلقا من رد فعل الجانب الايرانى
كما أن الدرس الذي تريد الولايات المتحدة إعطاؤه للعالم - وعلى رأسه الدول العربية الأكثر تعنتا فى تقبل الديمقراطية الأمريكية - لن يكتمل إلا بنجاح أمريكي في إقامة دولة عراقية ديمقراطية و هو ما يبدو الآن ضربا من الخيال
وفي النهاية .. لن يسعنا القول إلا أن الرئيس بوش فشل وسيفشل - على الرغم من ادعاءاته المتكررة - بالانتصار في حرب العراق إقناع أي مواطن في العالم يتابع مشاهد القتل و الدمار عبر وسائل الإعلام ان العراق في الطريق الى استعادة العافية والعودة إلى عصور الازدهار